فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس | فهرس عناوين الكتب
هل وجدت الكتاب مفيداً؟
نعم
لا
استجابة دعائه (ع)
عن ثابت البناني قال : كنت حاجّاً وجماعةَ عٌبَّاد البصرة مثل أيوب السجستاني وصالح المري وعتبة الغلام وحبيب الفارسي ومالك بن دينار . فلما ان دخلنا مكة رأينا الماء ضيقاً ، وقد اشتد بالناس العطش لقلة الغيث . ففزع إلينا أهل مكة والحجاج يسألونا أن نستسقي لهم ، فأتينا الكعبة وطفنا بها ، ثم سألنا اللـه خاضعين متضرعين بها ، فَمُنعنا الإجابة ، فبينما نحن كذلك إذا نحن بفتىً قد أقبل ، قد أكربته أحزانُه ، وأقلقته أشجانُه ، فطاف بالكعبة أشواطاً ، ثم أقبل علينا فقال : يا مالك بن دينار ، ويا ثابت البناني ، ويا أيوب السجستاني ، ويا صالح المري ، ويا عتبة الغلام ، ويا حبيب الفارسي ، ويا سعد ، ويا عمر ، ويا صالح الأعمى ، ويا رابعة ، ويا سعدانة ، ويا جعفر بن سليمان ، فقلنا : لَبَّيك وسعدَيك يا فتى . فقال : أما فيكم أحد يحبه الرحمان ؟. فقلنــــا : يا فتى علينا الدعاء وعليه الإجابة . فقــــال : ابعدوا من الكعبة ، فلو كان فيكم أحد يحبه الرحمان لأجابه . ثم أتى الكعبة فخر ساجداً فسمعته يقول في سجوده : سيدي ، بحبك لي إلاّ سقيتهم الغيث ، قال : فما استتم الكلام حتى أتاهم الغيث كأفواه الْقُرَب ، فقلت يا فتى : من اين علمت أنه يحبك ؟ قال : لو لم يحبني لم يستزرني ، فلما استزارني علمتُ أنّه يحبني ، فسألتُه بحبه لي فأجابني ، ثم ولى عنّا وأنشأ يقول :
مـــــــــــــــن عــــــــــــرف الـــــــرب فلـــــــــــــــــــــم يُغنـــــــــــــــــــــه معـــــــــرفــــــــــــــــةُ الـــــــــــــــــــرب فـــــــــــــــذاك الشقـــــــــــي
مــــــــا ضــــــــــرَّ فـــــــــــــــــــي الطاعـــــــــــة مـــــــا نالــــــــــــــه فــــــــــــــي طــــــــــــاعـــــــــــــــة اللــــــــــــــه ومــــــــــاذا لقــــــــي
مــــــا صنــــــع الــــــعبـــــــد بـــــغــــــــيـــــــــــر الــتــقــــــــــــــــــى والعــــــــــــــــــزُّ كــــــــــــــــــــــــلُّ العــــــــــــــــــــــــزِّ للمتَّقــــــــــــــــــــي
فقلت : يا أهل مكة من هذا الفتى ؟. قالوا : علي بن الحسين (ع) بن علي بن أبي طالب .
وعن المنهال بن عمرو في خبر قال : حججت فلقيت عليَّ بن الحسين (ع) ، فقال : ما فعل حرملة بن كاهــل ؟. قلت : تركته حيّاً بالكوفة ؛ فرفع يديه ثمَّ قال (ع) : اللـهمَّ أذِقْهُ حَرَّ الحديد ، اللـهمَّ أذِقْهُ حَرَّ النـــــار . فتوجّهت نحو المختار ، فإذا بقوم يركضون ويقولون البشارة أيّها الأمير ، قد أُخِذَ حرملةُ ، وقد كان توارى عنه ، فأمر بقطع يديه ورجليه وَحرْقه بالنار .
وكان زين العابدين (ع) يدعو في كلِّ يوم أن يريه اللـه قاتل أبيه مقتولاً ، فلمّا قتل المختارُ قَتَلَة الحسين صلوات اللـه وسلامه عليه بعث برأس عبيد اللـه بن زياد ورأس عمر بن سعد مع رسول من قِبَلِه إلى زين العابدين ، وقال لرسوله : إنّه يصلّي من اللّيل ، وإذا أصبح وصلّى صلاة الغداة هجع ، ثمَّ يقوم فيستاك ويؤتى بغدائه ، فإذا أتيت بابه فاسأل عنه ، فإذا قيل لك : إنَّ المائدة وضعت بين يديه فاستأذن عليه وضع الرأسين على مائدته ، وقل له : المختار يقرأ عليك السلام ويقول لك : يابن رسول اللـه ، قد بلّغك اللـه ثارك . ففعل الرَّسول ذلك : فلمّا رأى زين العابدين (ع) الرأسين على مائدته خرَّ ساجداً وقال :
" الحمد لله الّذي أجاب دعوتي ، وبلّغني ثاري من قتلة أبي ، ودعا للمختار وجزّاه خيراً " 24 .
وحينما نعرف جانباً من شخصية الإمام زين العابدين (ع) ومدى تفانيه في ذات اللـه عزَّ وجلَّ وذوبانه في تيار حبِّه سبحانه ، وخلوصه من شوائب المصلحة المادية ، نعرف - حينئذ - جانباً من حكمة الولاية ، وذلك التأكيد الشديد عليها في نصوص الإسلام . فمثل ولاية الإمام السجاد تصلح نفس الإنسان وتتسامــــى في معارج الكمال ، وإن ولاية الأنبياء والأوصياء تصبغ شخصية المجتمع المؤمن بصبغة الإيمــان ، وتيسر له العمل بتعاليم أولياء اللـه تعالى ، والسعي وراء تمثيل شخصياتهم الإلهية ، كما أن تلك الولاية تسقي روضة حب اللـه في أفئدتهم ، وتصونها من الذبول ، لأن حب أولياء اللـه يفيض من حب اللـه كما تفيض الروافد من نبعٍ زخَّار ، بل إن حب أولياء اللـه هو انبساط لحب اللـه ، وأمثلة له وشواهد عليه !. وكيف يمكن أن يدَّعي أحد أنه يحب اللـه ثم لا يحب من هام في حب اللـه حتى بلغ ما بلغه الإمام زين العابدين (ع) من العبادة والتهجد ؟!
أولم يقل ربُّنا العزيز : { قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللـه فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللـه } (آل عمران/31) .
فلنغترف من نبع حب اللـه فيضاً ، وذلك بِحُبِّ أوليائه أكثر مما مضى ، حتى نطهِّر أفئدتنا من أهواء الدنيا ومن أدران حب أهلها اللئام .

فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس | فهرس عناوين الكتب